الفساد المالي، خاصة الفساد المرتبط بالمال العام، مشكلة تعني الجميع، كل واحد من موقعه، فالنقابات، نعرف جميعا دورها المهم، وموقعها في جميع القطاعات، حيث توجد. إنها تساهم بدورها من خلال مناضليها، في مختلف مؤسسات القطاع العام، أو شبه العام أو المرتبطة بالقطاع العام.
وكذلك الأحزاب السياسية، والإشكالية الديمقراطية مرتبطة بذلك، وهناك مصالح تغيّب الديمقراطية، لأنه عبرها تحصل المساءلة والمحاسبة والمراقبة. لماذا لا تضع الأحزاب، خاصة التقدمية منها، مسائل نهب المال العام ضمن أولوياتها السياسية؟ الأحزاب يجب أن تهتم بفضح وتتبع ملفات نهب المال العام، لأن ذلك هو جوهر كل الصراع القائم، مادام المستفيدون من الوضع القائم من مصلحتهم أن تغيّب الأحزاب هذا الملف، ولا مصلحة لهم في الديمقراطية، أصلا.
أحزابنا، مع كامل الأسف، لا تعنيها قضايا المال العام، في الوقت الذي يجب أن تكون النقطة رقم واحد في جدول أعمالها.
وكذلك الشأن بالنسبة لجمعيات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية والهيئات المهنية، خاصة المرتبطة بالإعلام. على المستوى الحقوقي، يمس نهب المال العام بشكل مباشر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. فالذين يسرقون المال العام، والمبالغ المهمة، التي تختلس من المال العام، وتنفق لأغراض شخصية، تكون على حساب حرمان الفئات الاجتماعية المسحوقة من حقوقها، كبناء المدارس والمستشفيات والتشغيل. إن نهب المال العام يخلق انعكاسات مباشرة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وهو من مسؤوليات المشتغلين بالإعلام، كذلك، وبهذه المناسبة، أحيي بعض رجالات الإعلام، الذين تكون لديهم الجرأة ويثيرون هذه الملفات، ويساعدون كثيرا في النضال على هذه الواجهة. وهو من مسؤولية رجال الأعمال، كذلك، ومسؤولية ممثلي الباطرونا، فالصفقات المشوبة بالرشوة تعطي فرص المحسوبية والزبونية، واستفادة البعض من هذه الصفقات على حساب آخرين، ثم الصفقات المبرمة مع الدولة أو مؤسسات عمومية، ففي بناء مدرسة، مثلا، المقاول الذي حصل على الصفقة عن طريق الرشوة، لابد أن يقوم بأعمال مغشوشة، ويظهر ذلك في تتبع حالة الطرق بعد الأمطار، وحالة البنية التحتية، وذلك كله نتاج الفساد المالي، فمن تسلموا تلك الصفقات، أنجزوا عملا مغشوشا، لأنهم أعطوا رشوة، ولا توجد محاسبة ومراقبة.