أثناء زيارته للإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله رأى رجل بجانب الإمام وقد بلغ من السن ما بلغ محبرة فقال له: يا أبا عبد الله أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين ومتقدم في السن وما زالت معك محبرة؟ فرد عليه الإمام رحمه الله قائلاً:"المحبرة حتى المقبرة، والدواة حتى الممات"
وقيل لابن المبارك أحد السلف الصالح: إلى متى تطلب العلم؟ قال: "إلى الممات إنشاء الله، فلعل الكلمة التي تنفعُني لم أكتبها بعد"
بهذا المنطق وبهذا الفهم الصحيح كانت للسلف الصالح الريادة وحازوا السيادة وبرزوا في شتى العلوم، فهم لا يعرفون وقتاً محدداً لطلب العلم ولا عُمراً معيناً للتعلم والتحصيل.
أما نحن ومع كل ما نتوفر عليهِ من وسائل متقدمة ومتطورة للتعلم والتحصيل إلاَّ أنه ومع الأسف الشَّديد لا نعرف الكتاب إلا فترة التعليم الأكاديمي، فلا تكاد تنتهي فترة التعليم النِّظامي حتى يعلو الكتاب الترات، والذي لا يعرف الكتاب إلا في المدرسة هذا يُقال على العموم أنَّهُ قلَّ ما يُفلح.
وهذا يستدعي منا تصحيح مفاهيم نبت عليها اللحم في نفوسنا، علينا ونحن نعلن فرحة النجاح ألا نعلنها على أنها فرحة الانتهاء من الدراسة، بل نعلنها فرحة النجاح والتقدم في الدراسة وبوابة للانفتاح على المزيد من العلوم ومزيد من الاكتشافات. على البيت والمدرسة على حد سواء توجيه الأبناء وترسيخ هذه الفكرة في عقولهم، وعلينا أيضاً أن نوجه طاقاتهم إلى زيادة المعار يف والعلوم وتنمية المواهب. إن العلم عبادة والله لم يجعل لعبادة المؤمن حدّاً في الدنيا إلا الموت يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:" واعبد رَبَّكَ حَتَّى يأتيكَ اليَقين" (س.الحجر الآية 99).فخذ المحبرة إلى المقبرة والدواة إلى الممات.
إياك واحتقار النفس والحكم عليها مسبقاً بالفشل، فأنت تملك قُدرات عظيمة وطاقات كبيرة لا علم لكَ بها لأن الغفلة قد أخفتها ولإبرازها لا بد لك من العمل، الاجتهاد والمداومة فداء النسيان المداومة واعلم أن كثرة تحريك الماء لا يزيدها إلا نقاء صفاء ولا تفضل السهل على الواجب، فواجبنا أن نتعلم باستمرار وأن لا نرضخ للغفلة فالوقت قصير وقصير جداً أكثر مما نتصور.
ولو أن أحداً يكتفي من العلم بشيء لاكتفى موسى عليه السَّلام وقد بلغ من السن عتيا حين قال:"هل أَتَّبِعُكَ على أَنْ تُعَلِّمَني مما عُلِّمتَ رشدا" (س.الكهف الآية 66).
الحسين.أ