المرأة المنطقة الأمازيغية تتكلف بكل شيء تقريبا
بينما يحاول الزوج العثور على عمل في المدن الكبرى، يتحتم على الزوجة في قرية بالمغرب العميق تحمل المسؤوليات جميعها، فغياب رب الأسرة يجعل منها المعيلة والمربية والحاضنة، والمسؤولة عن كل تفاصيل الحياة اليومية، داخل البيت وخارجه.
تقوم نساء القرية كل يوم بعد وجبة الغذاء، بالسير على الأقدام نحو الوادي، بعدما أنهين العمل في الحقول، ورعي قطيع الماشية، بالإضافة إلى القيام بغسل الملابس في النهر وجمع الحطب الخاص بالتدفئة. وقبل كل هذا، تكون النساء قد انتهين من أعمالهن المنزلية في بداية اليوم. أما في نهايته، فتقوم النساء بجمع الخشب والمحاصيل في حزم، وتضعنها على أكتافهن وتوصلنها إلى القرية، ليحين بسرعة وقت إعداد العشاء.
في هذه المنطقة الأمازيغية، تتكلف المرأة بكل شيء تقريبا، بما في ذلك حمل الأثقال. وفي وصف دقيقي لمعاناة الجنس اللطيف في هذه القرية الصغيرة، تقول يامنة آيت لمعلم: "إنها حياة صعبة، لكن كل يعيش ما قدر له"، ومثل كل النساء المسنات هنا، قالت يامنة إنها لا تستطيع القراءة أو الكتابة، وإنها لا تعرف كم عمرها بالضبط، مؤكدة: "هذه هي الحياة بالجبال، إنها جيدة، لكن حتى نكون واقعيين، فنحن نعيش ما لم نختره".
وهنا تتساءل يامنة بشكل فجائي: "لا أفهم لماذا لا يتحمل رجال المنطقة هذا العبء الثقيل؟ لا أفهم كيف يختار معظمهم ترك المكان ومن فيه دون تحمل أي مسؤولية لتبعات ذلك؟"
وبعد برهة، تنظر يامنة إلى حفيدتها سميرة، البالغة من العمر 12 سنة، وتقول بنبرة تملؤها الحسرة "آمل أن يعيشوا حياة مختلفة، ولكن من أجل أن يحدث ذلك، سيكون علينا إرسالها إلى مدرسة بعيدة، مما سيكلفنا مصاريف كثيرة".
أسر تعيش على بيع الماشية ومحاصيل الأراضي، التي تكون أغلبها تفاحا وجوزا وكرزا، فكل ما يتم جنيه صيفا وبيعه، تتم الاستفادة منه خلال فصل الشتاء القاسي. ففي الآونة الأخيرة مثلًا، حوصر 140 منزلا، يقطن فيه ما مجموعه 750 شخصا، بعدما تساقط الثلج لمدة عشرين يوما.
"هذا أيضا، هو جزء من الحياة الجبلية"، يقول لحسن بوناصر، الرجل ذي الاثنين وخمسين عاما، الذي يعتبر واحد من الشخصيات الرئيسية في القرية، إذ إنه يتحمل داخلها مسؤوليات متعددة، فهو من يتكلف باستدعاء الطوارئ إذا كان شخص ما في خطر، أو عندما تغلق الطرق في فصل الشتاء بسبب الثلوج، كما أنه يفض النزاعات.
إنه يتفق مع القائلين بأن الحياة صعبة في الوادي، خاصة بالنسبة للنساء، اللواتي يتكلفن بكل مهامهن العادية بالإضافة إلى مهام الرجال، الذين غادروا المكان صوب المدن. وليشرح الأمر أكثر، قال بوناصر "بدأ الأمر منذ أيام والدي وجدي، لتصبح هذه تقاليدنا"، مضيفا بأن "بعض الناس هنا أصبحوا يعتقدون أنه سيكون الأمر سيئا لسمعة الرجل، إذا بقي أحدهم بالقرية ليساعد زوجته".
لماذا يرحل الرجال؟
"لا يوجد هنا أي نوع من العمل، لذلك يذهبون إلى مدن كمراكش وأكادير والدار البيضاء من أجل العثور على عمل"، ويوضح بوناصر أنهم يعملون مقابل ستين أو سبعين درهما في اليوم، وهو ما يجعل عملهم هذا لا ينفع أحدا غيرهم، فهذا المبلغ لا يمكن أن يفيد في شيء سوى سد رمقهم، لهذا "أرى أنه سيكون من الأفضل لو أنهم بقوا هنا لجعل هذا المكان أفضل".
هناك المئات من القرى المشابهة في الأطلس، حسب ما يؤكده الناشط الحقوقي فؤاد أكير، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (AMDH)،الذي أوضح أن "الرجال الذين يختارون الفرار من قراهم، والأمية السائدة في صفوف النساء، بالإضافة إلى الفقر المستشري بهذه المناطق، كلها نتيجة لسنوات من التهميش"، يكلل حسب المتحدث نفسه بـ "استثمار الحكومة في مدن مثل طنجة والدار البيضاء وأكادير، في نسيان تام للمناطق القروية".
وبالعودة إلى نرى جامو آيت الطالب تتجه نحو بقرة تحت واحدة من أشجار التفاح في الوادي، وهي تحمل في نفس الوقت ابنتها الصغيرة. هذه المرأة هي واحدة من النساء اللواتي تعايشن مع غياب الزوج، لكن افتقاده يظل أمرا محتما بالنسبة لها.
عندما يتواجد خارج القرية من أجل البحث على عمل، تقع عليها كل المسؤوليات، وأولها تربية أطفالها الأربعة، بالإضافة إلى الاعتناء بالماشية، والأرض والمحصول، "على المرأة أن تفعل كل شيء كل يوم"، كما تقول، وتضيف "هذا هو السبب الذي يجعلني آمل أن تتمكن واحدة على الأقل من بناتي من الزواج من شخص خارج المنطقة، من أجل تعيش حياة أفضل، أو أن تتمكن إحداهن من الاستفادة من تعليم جيد، وهو الأمر الذي يستعصى علينا بسبب عدم توفرنا على المال لدفع النفقات، إلا أننا نبذل قصارى جهدنا".