شجرة الطلح أو السنط ياقوت الصحراء
على مساحات تقدر بألف هكتار من الأراضي شبه الصحراوية، بإقليمي زاكورة وتنغير، تنتشر العديد من أصناف الأشجار المختلفة، التي كان القدماء يستخرجون منها بعض الأدوية التقليدية، إلى جانب باقي الأعشاب الأخرى، التي تعرف بها هذه المناطق من المملكة المغربية، ولعل من بين هذه الأشجار المنتشرة بكثرة في الإقليمين المذكورين، شجرة الطلح أو "السنط"، كما كان يسميها العرب قديما، وهي شجرة معمرة، قادرة على تحدي الجفاف والتصحر سنوات طويلة.
وتعرف شجرة الطلح لدى سكان إقليم زاكورة، وسكان دائرة النيف بإقليم تنغير، بسبب انتشارها في الصحراء، فهي تتحمل قساوة الظروف المناخية والتصحر، فضلا عن كونها قادرة على تحمل الجفاف، الذي تمتاز به المناطق المتواجدة بها، منذ بداية سبعينيات القرن الماضي.
وتعتبر هذه الشجرة، التي ذكرها الله عز وجل في سورة الواقعة
(الآية 29)، حيث قال فيها سبحانه وتعالى: "وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ"، من بين الأشجار التي يعتمد عليها الرحل لرعي مواشيهم في صحراء قاحلة وحارقة، الأمر الذي جعلها ترتبط بحياتهم اليومية. ولهذه الشجرة أشواك طويلة، وهي ذات أزهار صفراء وبيضاء بداخلها بذور، ولها أيضا ثمار على شكل "هلال"، وهي تسقى من مياه الأمطار.
فوائد هذه الشجرة
ولهذه الشجرة المعمرة، حسب العديد من الرحل الذين التقت بهم هسبريس خلال جولتها الاستطلاعية لبعض المناطق، عدة فوائد في الحياة اليومية للإنسان، حيث كان الأجداد يستعملون أخشاب هذه الشجرة في سقف منازلهم المشيدة بالطين والحجر، للاحتماء من البرد القارس في فصل الشتاء، واتخاذه ظلا في فصل الصيف. كما أن أزهار شجرة الطلح تعتبر من مصادر غذاء النحل، ويعد عسلها من أجود أنواع العسل لفوائده الصحية الكثيرة.
كما أن للصمغ الذي تنتجه أشجار الطلح فوائد كثيرة لعلاج مجموعة من الأمراض الباطنية والخارجية، وكذا أمراض الضغط الدموي وصداع الرأس والفشل الكلوي، بالإضافة إلى فوائده الصحية التي تشبه الوصفات الطبية. كما يعتبر الصمغ أو العلكة كنزا ظل على مدى عقود من الزمن يدر الأموال على الباحثين عنه وأصحاب المحلات الخاصة ببيع الأعشاب الطبية، إذ يصل ثمن الكيلوغرام الواحد من الصمغ المستخرج من شجرة الطلح ما بين 60 و80 درهما.
إلى جانب ما ذكرناه من فوائد العلكة أو الصمغ العربي، فإن العديد من الأسر بالإقليمين المذكورين تستعمله في إعداد الشاي، إلا أن الجفاف والتصحر، اللذين بدأت تشهدهما هذه المناطق في السنوات الأخيرة، وكذا العوامل البشرية، ساهمت في بداية انقراض هذه الأشجار أمام أعين مسؤولي السلطات المحلية، والمندوبية السامية للمياه والغابات، الذين لم يولوا أي أهمية لهذا النوع من الأشجار، الذي لا يزال يتمتع بأهمية كبيرة في الموروث الشعبي بالجنوب الشرقي، خصوصا على المستوى البيئي والدوائي والاقتصادي.
وحسب ما أكده هشام اكنزي، صاحب محل للأعشاب الطبية بزاكورة، فإن فوائد الطلح كثيرة، مشيرا إلى أنه يفيد في علاج الكثير من الأمراض، منها ارتفاع الضغط الدموي والسكري، والالتهابات الأخرى. وأوضح أن الطلح يستخدم لتطهير المعدة والأمعاء وعلاج التهاب البواسير. وأوصى المتحدث ذاته، في حديثه لهسبريس، المواطنين بهذه الشجرة التي لها فوائد لا تحصى، والتي تتميز بقدرتها على العلاج من بعض الأمراض المزمنة، فقط على المريض أن يسأل أهل العلم العارفين بفوائد هذه الشجرة، يقول هشام اكنزي.
انقراض الطلح.. مسؤولية من؟
رغم كل ما ذكرناه من الفوائد التي اجتمعت في شجر الطلح، فإن الدولة لم تول هذا النوع من الأشجار الأهمية التي يستحقها للحفاظ عليه من الانقراض. كما أن العامل البشري له نصيب كبير أيضا من المسؤولية، باعتباره المسؤول الأول عن قطع هذه الأشجار وغياب وعي لديه من أجل الحفاظ عليها من الانقراض.
وكما لاحظنا خلال الجولة، التي قمنا بها لمجموعة من المناطق بإقليمي زاكورة وتنغير، رفقة بعض الأشخاص العارفين بخبايا الغابة، فإن العوامل الأولى التي باتت تهدد حياة هذه الأشجار وغيرها، هي تلك المرتبطة بالحياة اليومية للإنسان، الذي يعتمد على هذه الأشجار في الطبخ وجميع الأمور المتعلقة بالنار، فضلا عن غياب إرادة من قبل المسؤولين المكلفين بالقطاع الغابوي لردع كل من سولت له نفسه التلاعب بالغابة أو قطعها.
وفي هذا الإطار، طالب لحسن رابح، منتخب دوار تمارغين، بالجماعة الترابية تزارين بإقليم زاكورة، المندوبية السامية للمياه والغابات والسلطات المحلية برد الاعتبار لهذه الشجرة، باعتبارها تعد من الموروث الشعبي لأهل المنطقة، مبرزا أن غياب إدارات الدولة المكلفة بحماية الغابة، خصوصا بمناطق عدة بكل من تزارين والنقوب، سيساهم بشكل كبير في إلحاق الضرر بهذه الأشجار، التي بدأت أياد خفية في قطعها، ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقيات التي تدعو إلى ضرورة حماية المجال الغابوي وحماية الأشجار، يضيف المتحدث ذاته، الذي دعا الدولة إلى تبني برنامج وطني خاص بحماية شجر الطلح، على غرار الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، أو إضافة الطلح إلى هذه الوكالة من أجل حمايته والحفاظ على ما تبقى منه، أو غرسه.
واختتم تصريحه قائلا: "ليكن في علم الجميع أن شجر الطلح مهدد بالانقراض، ونعتبر تصريحنا هذا بمثابة رسالة واضحة إلى المسؤولين للإسراع بإنقاذه من شبح الانقراض قبل فوات الأوان".
ضرورة تصنيف الطلح
صالح أمغار، باحث في التراث المحلي ومهتم بشجرة الطلح، ويقطن بضواحي النيف، قال إن الدولة المغربية مطالبة اليوم، قبل أي وقت آخر، بأن تصنف الطلح ضمن الأشجار الطبية المعروفة بالمغرب، مؤكدا أن هذه الشجرة أهملت من قبل القائمين على الشأن الغابوي بالمملكة المغربية، الذين فضلوا تصنيف بعض الأشجار والنباتات التي ليس لها وزن كبير.
وأكد المتحدث أن لهذه الشجرة جميع المواصفات التي تؤهلها لتكون من الأشجار المصنفة وطنيا، متسائلا باستغراب: "واش الدولة ماعارفاش هادشي ولا كتكرس السياسة الإقصائية الممنهجة في حق المواطن حتى في الأشجار". وخاطب المسؤولين عن المياه والغابات ووزارة الفلاحة بالقول: "الطلح شجرة مثلها مثل شجر الأركان وربما فيها فوائد أكثر منه، فلماذا كل هذا الانحياز".
وطالب أمغار وزارة الفلاحة والمندوبية السامية للمياه والغابات بضرورة زيارة المناطق المعروفة بهذه الشجرة للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء تراجع عددها مقارنة بالسنوات الماضية قصد إيجاد حلول معقولة لحمايتها من الانقراض.
المياه والغابات
وفي الوقت الذي فضل مسؤولو المياه والغابات بإقليم زاكورة عدم الرد على الاتصالات الهاتفية التي قامت هسبريس بإجرائها، منذ يوم الثلاثاء الماضي، لمعرفة التدابير المتخذة من قبلها لحماية هذه الشجرة من العوامل البشرية والطبيعية، أكد مسؤول بالمندوبية السامية للمياه والغابات بالرباط، لم يرغب في الكشف عن هويته لكونه غير مسؤول عن الإدلاء بتصريح لوسائل الإعلام، حسب تعبيره، أن هذه الشجرة لم تدرج إلى حدود الساعة في أي برنامج وطني داخل المندوبية السامية. وأضاف أنه لا يعلم إن كانت هذه الأخيرة بصدد التفكير في إدراج الطلح في أي وكالة لحمايته والحفاظ عليه.
وأكد أن على الجمعيات المحلية، خصوصا المهتمة بالبيئة، الترافع من أجل تصنيف هذه الشجرة والمطالبة بحمايتها، من خلال توجيه رسائل وشكايات إلى المندوبية السامية للمياه والغابات ووزارة الفلاحية والصيد البحري، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، مشيرا إلى أنه بدون اتخاذ هذه الإجراءات سيبقى الحال على ما هو عليه إلى أن تنقرض آخر شجرة من هذه الأشجار.