طقوس الأكل عند المغاربة بين الهوية الثقافية والتأقلم مع العصر
يقول المختصون في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا إن طقوس الطهي وإعداد وجبات الأكل في جميع الظروف هي نتاج لاتفاقات جماعية تاريخية فرضتها عوامل عدة محيطة بالجماعة البشرية المعنية.
فكما لكل شعب عبر العالم طقوسه في الإنتاج وتوزيع العمل والأدوار داخل المجتمع، له أيضا أعراف وتقاليد في اللغة والكلام، وأيضا في إعداد الوجبات الغذائية. العوامل المؤثرة في تقاليد استهلاك الغذاء تتوزع ما بين الطبيعي البيئي وما بين الثقافي التاريخي.
للأرض والبيئة، من بحار وسهول وجبال وصحار، تأثير مهم في الاختيارات الغذائية وتنويعها. إلى ذلك ينضاف تأثير البيئة الثقافية والاجتماعية العامة. العامل الديني له أيضا تأثير مهم في تحديد نوعية الوجبات وأوقات استهلاكها. لدى المغاربة طقوس خاصة تاريخية في تذوق الأكل. منها ما هو مرتبط بما تجود به الأرض والطبيعة، ومنها ما ارتبط باختيارات دينية وثقافية.
وعلى سبيل المثال، أصبح لاستهلاك وجبة الكسكس وضع مرتبط ببعض الطقوس الدينية كيوم الجمعة مثلا، أو في الجنائز أو الاحتفالات الدينية كليلة القدر أو عيد المولد النبوي، وما يرافق ذلك من تلاوة للقرآن الكريم أحيانا كثيرة. في المقابل، تتميز الأفراح بجميع أنواعها بأكلات احتفالية تاريخية، كالمشوي أو طاجين اللحوم والدجاج والبسطيلة.
هناك أيضا وجبات تعبر عن التنوع الثقافي للمغاربة حسب الجهات الجغرافية ومدى تلاقحها مع شعوب أخرى عبر التاريخ؛ هناك وجبات أمازيغية ووجبات صحراوية وأخرى جبلية، وغيرها.
كلها وجبات تحمل قيما ثقافية جماعية. لذلك، فإن طاولة الأكل الجماعي التشاركي حول طبق واحد تمتد إليه الأيادي، على شكل حلقة تكوينية تربوية، تساهم في حل المشاكل ونقل القيم والتجارب بين مختلف الأجيال، إضافة إلى ضرورة احترام طقوس الأكل وفق "إيتيكيت" مغربي خاص. هذا الاتيكيت يميز بين النوع على الطاولة وبين الصغار والكبار، وكيفية استهلاك الوجبة وفق سلوك أصبح قواعد ملزمة حول الطاولة.
ورغم التطور الحاصل مع العولمة وظهور طقوس عالمية في الاستهلاك مع الوجبات الفردية السريعة والخفيفة، إلا أن المغاربة ظلوا محافظين إلى حد ما. وساعد على الحفاظ على كثير من الطقوس الغذائية، سواء في الأفراح أو الأحزان، ظهور ممون الحفلات أو "التريتور" الذي يحاول الحفاظ على أهم الوجبات المغربية التقليدية مع تطويرها حسب الحاجة.